![]() |
||||||||
سر التثاؤب
صورٌ إيمانية ناصعة، تظهرها هذه الصحابية، وتقدم من خلالها دروسًا تربوية للأمّة الإسلامية، فكانت بمواقفها مربية للأجيال، ومعلمة للنساء والرجال. أ.د. عبدالكريم بن صنيتان العمري جاء الإسلام بتعاليمه السمحة، وتوجيهاته النيّرة، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وليعيد للإنسان كرامته، ويحفظ مكانته، وأعطى المرأة حقها من التكريم والعزّة، والشرف والرفعة، فتبوّأت مكانة عالية، ومرتبة سامية، وسطّرت في الإسلام مواقف مشرّفة، وصورًا ناصعة مشرقة. فها هي الصحابية الجليلة (الرميصاء) أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها، والدة أنس بن مالك، رضي الله عنه، خادم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تحمل صفحات سيرتها دروسًا وعبرًا لكل من تأمل حياتها، راجحة العقل، سديدة الرأي، وافية البيان، دخلت في الإسلام مبكرًا. وكان زوجها مالك بن النضر، الذي عاد من سفره فوجدها قد أسلمت، فغضب، وسمعها تلقِّن ابنها الشهادتين، فأنكر عليها، وقال: لا تفسدي عليَّ ابني، فردت عليه: إني أهذبه وأعلمه ولا أفسده، فخرج من عندها غاضبًا فقتله أحد أعدائه. تقدّم أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري يخطب أم سليم من نفسها، ويقدم لها مهرًا كبيرًا وكان حينها كافرًا, فأجابته بقولها: يا أبا طلحة، والله ما مثلك يُردّ، ولكنك رجلٌ كافر وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك شيئًا غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها. قال ثابت: فما سمعنا بامرأة قط كانت أكرم مهرًا من أم سليم. إنه أنموذج فريد، لامرأة تنازلت عن حقها المادي، واشترطت مهرها لإنقاذ رجل من براثن الشرك، وغياهب الضلال، واجتذبته إلى نور الهدى، وشعاع الحق والتُّقى، فنالت أجره وثوابه. وكان هذا خيرًا لها من حُمر النَّعم، وأفضل من ماديات الحياة الدنيا، وبهرجتها الزائفة، ومظاهرها البـراقة الكاذبة. وتُنجب الصحابيةُ ابنًا من هذا الزواج، ويشاء الله أن يموت في غيبة والده. فتقبلت الأم والزوجة ذلك بنفس راضية، وأبدت صبرًا وتماسكًا عجيبًا، يندر أن يكون، فلم تسارع إلى النياحة والصراخ، أو لطم الخدود وشق الجيوب, أو الاعتراض على القضاء، بل تعاملت مع الموقف بهدوء وسكينة، يعجز عنه كثير من الرجال. يقول ابنُها أنس، رضي الله عنه: مَاتَ ابْنٌ لأبِي طَلْحَةَ، مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ لأهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ، قَالَ: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً، فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَقَالَ: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَوَقَعَ بِهَا، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا، قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَتْ: فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ، قَالَ: فَغَضِبَ، وَقَالَ: تَرَكْتِنِي حَتَّى تَلَطَّخْتُ، ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي! فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم: «بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا» رواه مسلم. فَحَمَلَتْ بعبدالله بن أبي طلحة، فولدته، فحنـَّكه النبي، صلى الله عليه وسلم، بتمرات، ودعا له، فكان من نسله سبع بنين كلهم قد ختم القرآن، وأصبحوا دعاة ينشرون العلم، ويعلمون القرآن، وينهل الناس من مناهلهم تقوى، ومعرفة، واستقامة وصلاحًا. إنها صورٌ إيمانية ناصعة، تظهرها هذه الصحابية، وتقدم من خلالها دروسًا تربوية للأمّة الإسلامية، فكانت بمواقفها مربية للأجيال، ومعلمة للنساء والرجال، حتى أصبحت حديث المجتمع المدني في عصر النبوة، وقدوة صالحة في ذاكرة الأجيال المتتابعة من هذه الأمّـــة. | ||||||||
|
||||||||
![]() |
![]() |
![]() |